/ الفَائِدَةُ : (16) /

11/04/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / أَهَمِّيَّةُ دراسة المتون والمضامين / إِنَّ دراسة متون الأَحاديث ومضامينها أَعظم : دراسة عِلْمِيَّة صناعيَّة اجتهاديَّة، بل بها تُقام دراسة الأَسانيد والطرق لا العكس . وهذا أَمرٌ مهمٌّ، ومن ثَمَّ من يكون لديه باع في علوم المعارف يتمكَّن من تشخيص ـ عن بصيرةٍ واجتهادٍ ـ المنحرف من الرواة من غيره ، وذلك من خلال مطابقة مضامين ما ينقله مع مُحْكَمَات الثقلين وعدمها . ومن ثَمَّ كان مبنىٰ النجاشي والغضائري المُتشدِّد : أَنَّ صحَّة الكتاب المرتبطة بالمضمون أَعظم من صحَّة الطَّريق، وهذا يتَّضح من خلال مراجعة جرحهما وتعديلهما . وهذه الأُمور لابُدَّ للباحث أَنْ يجدها بنفسه ، فعليه التتبُّع والتنقيب والْاِجْتِهَاد عن دراية وبصيرة ، فَمَنْ كان يُريد مراجعة كتاب النجاشي ـ مثلاً ـ فعليه أَنْ لا يُلاحظ النتائج الصَّادرة من مُصنِّفه من جرح وتعديل وما شاكلهما ؛ لأَنَّ الأَخذ بها تقليد له، وإِنَّما عليه قراءة النظام والصرح الْعِلْمِيّ في مبناه ومساره الْعِلْمِيِّ ، وحينئذٍ تكون ـ تلك المراجعة ـ مراجعة عِلْمِيَّة نافعة . وعلى هذا قس العمل مع كتاب الفهرست للشَّيخ الطوسي ، وكتاب رجال : (البرقي)، و (العقيقي)، و (ابن الغضائري)؛ لمعرفة مبانيهم ومساراتهم الْعِلْمِيَّة، وليست آرائهم وفتاويهم النهائيَّة. إِذَنْ : عِلْمُ الرجال عِلْمُ مضامين ، وليس عِلْم نقول . وبالجملة : ليس مراد الكليني في الكافي ، ولا ابن قولويه في كامل الزيارات ، ولا الأَشعري في كفاية الأَثر، ولا الصدوق في الفقيه ، ولا الطوسي في التهذيب من صحَّة الكتاب صحَّة الصدور ـ فإِنَّ بعض رواياتهم في تلك الكُتُب مراسيل ومقطوعات ومرفوعات ـ ، وإِنَّما مرادهم : صحَّة وحُجِّيَّة المتن والمضمون ؛ وأَنَّه ليس في روايات تلك الكُتُب ما يُناقض أَو يُخالف ضروريَّات ومُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة . فحينما يروي ـ مثلاً ـ الكليني والصدوق، عن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... إِنَّ نور أَبي يوم القيامة يُطفئ أَنوار الخلائق إِلَّا خمسة أَنوار: نور مُحمَّد صلى الله عليه واله ونوري(1) ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين ؛ فإنَّ نوره من نورنا الَّذي خلقه اللّٰـه تعالىٰ قبل أَنْ يخلق آدم بألفي عام»(2)، فإِنَّ مُرادهما : أَنَّ مضمون هذا الحديث ـ بغض النظر عن اعتبار سنده وصحَّة صدوره ـ لا يتصادم ولا يخالف مُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة والكتاب والسُّنَّة ويوافق خطوطها العامَّة. إِذَنْ : منهج ومسلك الفقهاء في المقام يختلف عن منهج ومسلك المُحدِّثين ، ومن ثَمَّ الَّذي يرفع علامة صحَّة الصدور من دون أَنْ يهتم بالمضمون فمنهجه ومسلكه ليس منهج ومسلك فقهاء الإِماميَّة ، وإِنَّما منهج ومسلك المُحدِّثين . ومنه يتَّضح : أَنَّ زعماء اتباع مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ كالكليني والصدوق والمفيد والمرتضىٰ والطوسي ـ حينما يودعون في كُتُبهم روايات عن أَفراد الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فهذا يُدلِّل على أَنَّهم يفهمون: أَنَّ لأَصحاب هذه الدائرة شأناً عظيماً، وعلاوة في الاِصطِفاء. / الْحُجِّيَّة الوحيانيَّة لبيانات الوحي لا تتمّ إِلاّ بما تحمله بياناته / ومنه يتَّضح : أَنَّ وحيانيَّة بيانات القرآن الكريم وتراث أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لن تُثْبَت ولن تُضْبَط باليقين الحسِّي والتواتر السَّندي بين بني البشر؛ لكونهما آليَّتين حسِّيَّتين؛ وَإِلَّا صارا ـ والعياذ بالله تعالیٰ ـ نتاجاً بشريّاً في عُرضَة الزَّيغ والزَّلل والخطأ والاِشتباه ، ولِادَّعَتهما الديانات المنحرفة ـ كاليهوديَّة والنصرانيَّة والبوذيَّة والهندوسيَّة ـ ؛ لإِثبات وحيانيَّة كُتُبهم المُحرَّفة ، وإِنَّما تُثْبَت وتُضْبَط بنفس تلك البيانات وما تحمله متونها ومضامينها من علومٍ ومعارفٍ ونورٍ وهدي، الُمولِّدة للقطع واليقين الْعَقْلِيّ، بل والوَحْيانِيّ ؛ فنفس البراهين الوحيانيَّة والْعِلْمِيَّةِ والعقليَّة المُودَعَة والمسطورة في القرآن الكريم وتراث أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُثْبِتَة بنفسها لحُجِّيَّتهما الوحيانيَّة. وهذه الحُجِّيَّة عصيَّة علىٰ الصَّحابة والتَّابعين وعلماء البشر ونخبهم؛ ولا يُمكن لهم اِدِّعَائها وشمّ رائحتها والوصول إِلى ضفافها ، ومن ثَمَّ ذهب علماء الإِماميَّة إِلى أَنَّ إِجماع الأُمَّة لا يكون حُجَّة من دون أَنْ يكون شخص المعصوم عليه السلام أَحَد المجمعين ، ومرادهم : نفي الحُجِّيَّة الوحيانيَّة ، وإِلَّا فاليقين الحسِّي والحُجِّيَّة الحسيَّة الحاصلة بالتواتر بين المسلمين ثابتان بحسب الفرض. وبالجملة : اِتَّفَقَتْ(3) كلمة علماء الإِماميَّة ـ فقهائهم وأُصوليِّهم ومُتكلِّميهم ومُفسِّريهم ومُحدِّثيهم ورواتهم ورجاليِّهم وهلمَّ جراً ـ علىٰ أَنَّ إِجماع الأُمَّة ـ اِستظهاراً واستنباطاً وصدوراً، وعلىٰ جميع الأَصعدة ـ ليس بحُجَّةٍ ما لم يكن شخص المعصوم عليه السلام ولطفه أَحد المجمعين، وإِلَّا كان نتاجاً بشريّاً يصيبُ ويُخطئ . إِنْ قلتَ : كيف يستقيم هذا المبنىٰ مع مبانيهم القائلة بحُجِّيَّة التواتر والِاستفاضة، بل وخبر الثقة مع أَنَّه يفيد ظنّاً. إِذَنْ : كيف قالوا بعدم حُجِّيَّة اِتّفاق الأُمَّة عن بكرة أَبيها من الصَّدر الأَوَّل إِلى يومنا هذا وإِنْ كان ضمن المُتَّفقين : الفقهاء والعلماء والرُّوَّاد والأَوتاد والأَبدال وعدول المؤمنين ، وقالوا ـ من جهة أُخرىٰ ـ : بحُجِّيَّة التواتر والاِستفاضة ، بل وخبر الثقة وإِنْ كان مُنحرِف العقيدة ؟! إِنَّ هذا نحو تهافت أَظهر من الشَّمس في رابعة النَّهار. قلتُ : اِتَّضح مِمَّا تقدَّم : أَنَّ مرادهم من ذلك عدم الحُجِّيَّة بالدَّرجة والقداسة الوحيانيَّة . وعليه : فالضَّرورة والتَّواتر فضلاً عن الِاستفاضة وخبر الثِّقة وإِنْ كانت تفيد يقيناً حسيّاً ، لكنَّه ليس بدرجة وقداسة اليقين الوحياني . وبالجملة : مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تنظر إِلى اليقين الوحياني، بل والعقلي بـ : أَنَّهما يختلفان من حيث القيمة الْعِلْمِيَّة والمَعْرِفِيَّة عن اليقين الحسِّي، ومعنىٰ هذه الجدليَّة : أَنَّ علماء الإِماميَّة يبحثون في رُتَب الحُجَجِ ونظامها . ومنه يتَّضح : مدى فساد ما ذهب إِليه الكثير من الباحثين ـ بعضهم من الوسط الدَّاخلي ـ ؛ فإِنَّهم اِدَّعُوا : ثبوت حُجِّيَّة القرآن الكريم بالتواتر الحسِّي وقطعيَّة سنده من خلال توسُّط أَجيال المسلمين جيلاً بعد جيل ؛ فإِنَّهَا دعوىٰ ضَحِلَة وفاقدة لكُلِّ وزنٍ عِلْمِيٍّ ؛ لأَنَّ قيمة التواتر السَّندي وإِنْ كانت تُفيد يقيناً ، لكنَّه حسّيٌّ ، وحُجِّيَّة القرآن الكريم وحيانيَّة ؛ فأَين هذا من ذاك ، بل يلزم ـ والعياذ بالله تعالىٰ ـ أَنْ يكون كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ ككُتُب البشر الثابتة حجِّيَّتها بالتواتر السَّندي باِعتراف الجميع ـ قديماً وحديثاً ، مُتألِّهين وماديِّين ـ يقع فيه الخطأ ، فلا يُشَخِّص الواقع بصورة دقيقة ، ومِنْ ثَمَّ أُحصيت في علوم عديدة وقوع (500) نوع خطأ فيه ، بل قيل ـ في الآونة الأَخيرة ـ : (800) نوع خطأ ، ولكُلِّ نوعٍ العديد من الأَمثلة ، منها: الأَوَّل : أَنَّ المُشَاهِد لصورة التلفاز يجدها مُتحرِّكة ؛ والحال أَنَّ واقعها ليس كذلك ؛ فإِنَّها عبارة عن مجموعة صور مُنْفَكَّة عن الحركة ، وبُثَّت في الثَّانية الواحدة عشرات الصُّور؛ بحيث لا يمكن للباصرة القدرة علىٰ ملاحظة فواصلها ، فلسرعة توارد الصُّور ؛ وعدم المُكْنَة من تمييز الفواصل بينها اِنْخَدَعَتْ الباصرة وظنَّت أَنَّها مُتحرِّكة. الثَّاني : الشِّعلة الجُوَّالة، وهي: إِذا جُعلت جمرة مُتوهِّجة في ظرفٍ، ودير بها بسرعةٍ رآها النَّاظر من بعيد أَنَّها دائريَّة ؛ فلسرعة الصُّور الَّتي ترد إِلى العين لم تُميِّز فواصلها. الثَّالث : ثَبَتَ في الْعِلْمِ الحديث : أَنَّه لا حقيقة لبعض الكواكب الَّتي تُرىٰ في السَّماء ؛ فإِنَّها فُنيت قبل ملايين السنين الضوئيَّة، والآن وصلت إِلينا صورها. الرَّابع : النَّاظر إِلى المَجَرَّةِ يراها كرأس إبْرَةٍ ، والحال أَنَّها مهولة. الخامس : الأَصوات المُسجَّلَة؛ فإِنَّ السَّامع يظنُّها تُبثُّ حيّاً. بل اِشْتِبَاه الحسِّ قد نبَّهت عليه بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الهادي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَحمد بن إِسحاق، قال : « كَتَبْتُ إِلى أَبي الحسن الثَّالث عليه السلام أَسأَله عن الرُّؤيَة وما اختلف فيه النَّاس، فكتبَ: لا تجوز الرُّؤيَة مالم يكن بين الرَّائي والمَرئيِّ هواءٌ لم ينفُذه البصرُ، فإِذا انقطع الهواء عن الرَّائي والمرئيِّ لم تصِحَّ الرُّؤيَة ؛ وكان في ذلك الِاشتباه ؛ لأَنَّ الرائي متى ساوىٰ المرئيَّ في السَّبب الموجب بينهما في الرُّؤيَة وجب الِاشتباه ، وكان ذلك التَّشبيه ؛ لأَنَّ الأَسباب لابُدَّ من اِتِّصالها بالمُسَبَّبَات»(4). إِذَنْ : اِختلاف الحسِّ بجملة حالاته لا يُشخِّص الواقع بصورةٍ دقيقةٍ، ولا يصحُّ الِاعتماد عليه بحيث يُجعل هو الصَّنم الأَكبر؛ لضعفه وعدم اِنضباطه، ومن ثَمَّ لا بُدَّ لتشخيص الواقع من الاِعتماد علىٰ العقل ومن ورائه الوحي. ومن ثَمَّ قسَّم المناطقة اليقينيَّات إِلى ستَّة أَقسامٍ، أَوَّلها: الأَوَّليَّات، ثُمَّ المُشاهدات ـ الحِسِّيَّات ـ ثُمَّ التَّجربيَّات، ثُمَّ المتواترات، ثُمَّ الحدسيَّات، ثُمَّ الفطريَّات. فجعلوا الحِسِّيَّات في الرتبة الثانية والمتواترات في الرَّابعة. ومعناه : أَنَّ المُحْكَم والإِحْكَام والمُحْكَمَات والحُجِّيَّة والیقین ذو مراتب ودرجات. والوعي والمعرفة بأَصل الإِحْكَام والمُحْكَمَات وحُجِّيَّة الحُجَّة واليقين من دون الِالتفات إِلى سلسلة مراتب الإِحْكَام والمُحْكَمَات والحُجِّيَّة واليقين لا يُفيد سداداً وصواباً في الِاستدلال والنتائج؛ لأَنَّ التَّشبُّث والتَّمسُّك بحُجِّيَّة حُجَّة بتعميم مُطلق من دون معرفة درجتها ورتبتها في الحُجِّيَّة يكون من التَّمسُّك بالظَّنِّ المُتشابَه؛ فالدَّليل وإِنْ كان في نفسه مُحْكَم ويورِث اليقين، لكنَّه يكون ظنّاً ومُتشابَهاً في قِبَال ما هو أَحْكَم مِنه وأَيقن. إِذَنْ : للمُحْكَم واليقين، بل والظُّنون علىٰ طبقات متفاوتة المراتب في الحُجَّيَّة. وكم من فِرْقَةٍ من فرق المسلمين نشأ اِنْحِرَافها بسبب عدم التَّفَطُّن لهذه المراتب وتفاوتها. وهذه ملحمةٌ عِلْمِيَّةٌ وفكريَّةٌ ومَعْرِفِيَّةٌ وعقائديَّةٌ نبَّهت عليها بيانات الوحي، ومن ثَمَّ عاتب الباري عَزَّ وَجَلَّ بني إِسرائيل في بيان قوله : [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا] (5) ؛ فإِنَّهم زعموا: قتل النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام ؛ اِعتماداً علىٰ الحِسِّ والمشاهدة، وأَسماه القرآن الكريم ظنّاً مُتشابهاً وإِنْ كان يُفيد ـ في نفسه ـ درجة من الْعِلْمِ واليقين مالم يُعَارَض بنوع عِلْمٍ ويقينٍ أَرقىٰ درجة منه ؛ وذلك لعدم اِعتمادهم علىٰ المعاجز الَّتي شاهدوها من النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام والَّتي هي يقينٌ وحيانيٌّ فوق اليقين العَقْلِيّ فضلاً عن اليقين الحسِّي؛ فإِنَّ حدود اليقين في حُجِّيَّة الوحي غير متناهية ، بخلاف حدود اليقين المُستفاد من حُجِّيَّة العَقْلِ فضلاً عن حُجِّيَّة الحسّ فمتناهية، ومن تلك المعاجز: أَنَّه عليه السلام أَخبرهم بعدم قتله وبقاءه علىٰ قيد الحياة إِلى ظهور الإِمام الثاني عشر من أَوصياء(6) سيِّد الأَنبياء (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) والصَّلاة خلفه، وهذه معجزة، لكنَّهم تركوها وتركوا ما تُوْرِثَهُ من يقينٍ وحيانيٍّ، و انقادوا ليقينٍ أَقلّ مرتبة ؛ وهو اليقين الحِسِّي فصار ظنّاً مُتشابَهاً. وبالجملة : الحِسُّ وإِنْ كان مصدراً من مصادر اليقين ومُحْكَماً بالقياس إِلى المُتشابَه، لكنَّه ظنّ ومتشابَه بالقياس إِلى مُعَارِضه الَّذي هو أَرفع منه حُجَّةً ويقيناً، والتَّمَسُّك به حينئذٍ يكون زيغاً واِتِّباعاً للباطل . ومنه يتَّضح : جواب المُعْضِلَة الْعِلْمِيَّة الَّتي واجهت فخر الدِّين الرازي، فمع أَنَّه فَيْلَسُوفٌ ومُتَكلِّمٌ قديرٌ، لكنَّه تَبَلْبَلَ فِكْرُهُ ؛ وَاِضْطَرَبَت وَاخْتَلَطَت وَالتبست عَلَيْهِ الْأُمُور في تفسير بيان هذه الآية الكريمة، وغادرها من دون حلٍّ وجوابٍ، فقال: ماذا يُرِيْدُ الباري تعالىٰ منها ؛ فهل يُرِيْدُ إِثبات: عدم مصدريَّة الحِسّ من اليقين ، وبالتالي نفي مصدريَّة وحُجِّيَّة التواتر؛ والحال أَنَّه ليس للأُمَّة(7) مصدراً آخَرَ يُثْبِت الدِّين وحُجِّيَّة القرآن الكريم . ونصُّ عبارته: «واعلم أَنَّه تعالىٰ لَـمَّا حكىٰ عن اليهود أَنَّهم زعموا أَنَّهم قتلوا عيسىٰ عليه السلام فالله تعالىٰ کذَّبهم في هذه الدعوىٰ، وقال: [وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ]، و في الآية سؤلان: ... السؤال الثاني: أَنَّه إِنْ جاز أَنْ يُقال: أَنَّ الله تعالىٰ يلقیٰ شبه إِنسان علىٰ إِنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة؛ فإِنّا إِذا رأينا زيداً فلعلَّه ليس بزيد، ولكنَّه أَلقىٰ شبه زيد عليه، وعند ذلك لا يبقىٰ النكاح والطلاق والملك وثوقاً به، وأَيضاً يفضي إِلى القدح في التواتر؛ لأَنَّ خبر التواتر إِنَّما يُفيد العلم بشرط انتهائه في الآخر إِلى المحسوس، فإِذا جوَّزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجَّه الطعن في التواتر، وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع... وبالجملة: ففتح هذا الباب يُوْجِب الطعن في التواتر، والطعن فيه يُوْجِب الطعن في نبوَّة جميع الأَنبياء (عليهم الصَّلاة والسَّلام)، فهذا فرع يوجب الطعن في الأُصول فكان مردوداً. والجواب: اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع، وذكروا وجوهاً: الأَوَّل: ... الثاني: ... الثالث:... الرابع:... وهذه الوجوه مُتعارضة مُتدافعة، والله أَعلم بحقائق الأُمور»(8). وجوابها : قد اِتَّضح مِمَّا تقدَّم؛ فإِنَّ حُجِّيَّة المصحف الشَّريف لم تَثْبُت من خلال اِتِّفاق وتواتر أَصل المصحف ونسخه بين أَجيال المسلمين وعلمائهم وروَّادهم ، بل ثَبَتَ بالقطعِ العَقْلِيِّ، بل والوحيانيّ المستفاد من بياناته المُفسَّرة ببيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وإِلَّا صار كتاباً بشريّاً ـ كما تقدَّم ـ فيندفع اِشكاله، بل وغيره كاِشكالات الحداثويِّين. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في رواية الشَّيخ بعد قوله: «ونوري» «ونور فاطمة». وعلى هذا فالخمسة إِمَّا مبنيّ على اتِّحاد نورَي مُحمَّد وعَلِيّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما، أَو اتِّحاد نورَي الحسنين عليهما السلام؛ بقرينة عدم توسُّط النور في البين، ويُحتمل أَنْ يكون قوله: «ونور تسعة» معطوفاً على الخمسة. (بحار الأَنوار). (2) بحار الأَنوار، 35: 69/ح3. أَمالي الشَّيخ: 192. الإِحتجاج: 122. (3) يجدر الاِلتفات: أَنَّ الْاِتِّفَاقَ علىٰ طبقاتٍ، وهي : ضرورة، وتسالم، وإِجماع. وهذا الإِجماع بهذا المعنىٰ فوق الإِجماع الُمصطلح ، فالتفت. (4) أُصول الكافي ، 1/كتاب التوحيد/31 ـ باب في إِبطال الرُّؤيَة : 68/ح4. (5) النساء : 157. (6) ورد في بيانات الروايات: أَنَّ مقام خاتم الأَوصياء يشترك فيه أَمير المؤمنين وحفيده الإِمام الثَّاني عشر (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما). (7) ما عدا مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّ لديهم مصدراً آخَر، وهو الوحي. (8) تفسير الرازي، ج11 ، سورة النساء، آية: 157 ، ص : 99ـ 100